بيوفيليا












Tree… #2 لميونج هو لي (Myoung Ho Lee)، طباعة نفث الحبر، 2012 © Myoung Ho Lee، نشر مع شكر ليوسي ميلو جاليري (Yossi Milo Gallery)، نيويورك. تصور ميونج هو لي (Myoung Ho Lee) أشجار كل واحدة منها على حدة على لوحة بيضاء في وسط المناظر الطبيعية.









القوة الشفائية للطبيعة

بقلم سيبا صحابي (Siba Sahabi)



تتميز الطبيعة بتأثيرها الإيجابي على العقول في معالجة المعلومات. فمجرد التواجد في الطبيعة يحفز على استعادة النشاط والشفاء في أوقات التوتر والمرض. فالطبيعة تبعث لنا رسالة مفادها أنه يحق لنا الاسترخاء. ويُطلق العلماء على هذه الظاهرة اسم "التأثير المُنشط". وسوف نتناول في هذه المقالة كيفية الاستفادة من هذا التأثير في المستشفيات الحديثة.


حب الطبيعة
هناك مصطلح خاص يعبر عن العلاقة التي تربط بين الإنسان والطبيعة وهو "بيوفيليا". والمعنى الحرفي لكلمة بيوفيليا هو "حب الحياة". وتتألف هذه الكلمة اليونانية القديمة من كلمتين هما "بيو" (بمعنى الحياة) وكلمة "فيليا" (وتعني الحب). ويصف المصطلح حاجة الإنسان إلى التواصل مع الطبيعة. ويدعم هذا البحث فائدة هذا الحب. فتحت تأثير الطبيعة، تخالجنا المشاعر السلبية كالتوتر والخوف والغضب بصورة أقل. ببساطة، من خلال الاتصال بالطبيعة تقل معاناة المرضى من الألم وتقل حاجتهم لتناول المسكنات. وفي الحالات الأكثر إيجابية، يكون هناك تعافٍ أسرع بفضل التواصل مع الطبيعة والبقاء لفترة أقصر في المستشفى. منذ متى نعرف أن للطبيعة مثل هذا التأثير الهائل على عواطفنا وصحتنا؟ وكيف يمكن دمج تأثيراتها "المُنشطة" ضمن الرعاية الصحية؟



Tree #2 لميونج هو لي (Myoung Ho Lee)، طباعة نفث الحبر، 2006 © Myoung Ho Lee، نشر مع شكر ليوسي ميلو جاليري
(Yossi Milo Gallery)، نيويورك



الحديقة الفارسية
منذ العصور القديمة كان من المعلوم جيدًا أنه ينبغي إعطاء الطبيعة دورًا في علاج المرضى. فعلى سبيل المثال، في الإمبراطورية الفارسية، تم تشييد نوع خاص من الحدائق. وتتميز الحديقة المسماة بـ "الحديقة الفارسية" - ويُطلق عليها أيضًا "الحديقة الإسلامية" أو "الحديقة العربية" - بتقليد عمره ثلاثة آلاف عام وترمز إلى الجنة على الأرض. معلومة جميلة: تأتي كلمة "paradise" وتعني الجنة في الأصل من الكلمة الفارسية القديمة pairidaēza، وتعني "السياج" أو "الحديقة المغلقة".


ستجد في وسط الحديقة الفارسية نافورة (تصدر أصوات تبعث على الاسترخاء) ومحاطة بعدد من المقاعد الصغيرة للجلوس والاسترخاء. وتتدفق المياه من النافورة عبر أربع قنوات ضيقة تنساب في اتجاهات مختلفة. ولا تبدو القنوات جميلة فحسب، بل إنها تخدم أيضًا غرضًا عمليًا وهو توفير المياه للنباتات المحيطة. وترتبط الحديقة الفارسية بالحيوية واستعادة النشاط، للأصحاء والمرضى على حد سواء.


فيريداريا (Viridaria)
في أوروبا، بدءًا من العصور الوسطى، تمت إتاحة حدائق الأديرة للأشخاص الذين يعانون من شكاوى جسدية ونفسية. وكانت هذه الحدائق، التي كان يُطلق عليها حدائق الأديرة لأنها كانت تتواجد داخل الأديرة، تؤكد على كرم الضيافة وحب الأشخاص لضيوفهم. وعادة ما كانت هذه الحدائق المستطيلة تقع في وسط المبنى. وكانت الساحات المزروعة محاطة بأربعة جدران وكانت تتميز بأروقة جميلة تسمى ممرات الأديرة، وكان يتم تزويدها ببئر مياه مركزي. وفي الأيام الحارة، كانت الأروقة توفر مكانًا ظليلًا وباردًا، وعند نزول المطر كانت توفر مناطق جافة بالخارج.

وكانت حدائق الأديرة تتمتع أيضًا بوظيفة طبية. ومن المنظور التاريخي فإنها كانت تتمتع بتأثير هائل على تطوير الأدوية الغربية. وفي حديقة الأعشاب، أو ما يسمى بالحديقة "العشبية"، كانت تنمو نباتات ذات خصائص طبية. وفي حدائق الأديرة في أوروبا الوسطى، كان يتم المزج بين نباتات الشرق ونباتات جنوب أوروبا مثل الشمر والكاشم الرومي في الطب الغربي وتتم دراستهما بتعمق. وقد استخلص الرهبان والراهبات معرفتهم من خلال تجاربهم الخاصة. كما أنهم قرأوا ونسخوا كتب المؤلفين القدامى وتشاركوا معارفهم ونباتاتهم ومستحضراتهم وبذورهم مع الأديرة الأخرى. لذلك يمكننا القول بأن الدير كان بمثابة مختبر.

وقد طبقت الصيدلية العلمانية، التي بدأت في التوسع في المناطق الحضرية في القرن الرابع عشر، هذه المعرفة ومفهوم حدائق الأديرة. وبهذه الطريقة، حلّت الصيدليات تدريجيًا محل وظيفة حدائق الأديرة. وفي القرن السادس عشر، نشرت الأديرة عددًا كبيرًا من كتب الأعشاب ذات الوصفات والفئات الدقيقة. وأثناء حدوث ذلك، تم إنشاء حدائق نباتية في الجامعات التي بها كليات للطب. وواصلت هذه الحدائق تقليد حدائق الأديرة وضمَّنت الأعشاب الطبية الغريبة بشكل متكامل للأغراض التعليمية.










Tree… #6 لميونج هو لي (Myoung Ho Lee)، طباعة نفث الحبر، 2013 © Myoung Ho Lee، نشر مع شكر ليوسي ميلو جاليري
(Yossi Milo Gallery)، نيويورك





نموذج الجناح الطبي
على الرغم من تطور الأدوية، خلال الفترة من عام 1750 حتى عام 1900، إلا أنه لم يتم اكتشاف الكثير من الأدوية التي يمكن استخدامها لعلاج الأمراض المختلفة التي كان يعاني منها المرضى. حيث كان هناك نقص أيضًا في المعرفة في مجال العلاجات الجراحية. لذلك، كان يتم توجيه الانتباه إلى اتباع أنظمة غذائية محددة و"وإدخال تغييرات" على البيئة المحيطة بالمريض. وقد تم تطوير ما يُعرف اليوم بنموذج الجناح الطبي. ويتألف هذا النموذج من عدة مباني صغيرة مخصصة للتعافي ضمن مبنى أكبر، وغالبًا ما يتم تخصيصها لفئة معينة من المرضى ولفئة اجتماعية محددة. وقد تم فصل هذه الأجنحة عن بعضها البعض في مشهد طبيعي أشبه بالمتنزه. ومن مميزات الجناح الطبي هذا أنه يمكِّن المرضى من الاستمتاع بالطبيعة ويحد من انتشار العدوى بينهم. ولكن من عيوبه أنه يحتاج إلى مساحة كبيرة من الأرض ويطيل من وقت وصول طاقم المستشفى.

وفي القرن العشرين، تم تطوير نظرية الإصابات الجرثومية، جنبًا إلى جنب مع اكتشاف تقنيات طبية متطورة وأدوية وتقنيات تشغيل جديدة. ومع اكتشاف البنسلين، لم تعد هناك حاجة لنموذج الجناح الطبي، لأن مشكلة انتشار العدوى بين المرضى أصبحت أقل خطورة.


القوة الشفائية للحدائق
تتميز المستشفيات الكبيرة التي بدأت في الظهور في القرن الثامن عشر بطابعها المؤسسي. وتم التركيز بشكل أكبر على طرق العلاج الحديثة وبدرجة أقل على البيئة المحفزة على الشفاء. وفي القرن التاسع عشر حتى عام 1984 تجاهل الطب القدرة الشفائية للطبيعة، حتى جاء المهندس المعماري روجر س. أولريش (Roger S. Ulrich) ليؤكد في دراساته تأثير القدرة الشفائية "للحدائق" في تعافي المرضى. ووفقا لدراساته، فإن الأكسجين والرائحة المنعشة، بل ومجرد رؤية الأشجار والنباتات (سواء في الحقيقية أو التصوير) يكون مفيدًا. وقد كان كتابه رائدًا وفتح أفاقًا جديدة لإعادة دمج الطبيعة في الرعاية الصحية، وشجع على إنشاء مدرسة جديدة للتصميم أطلق عليها "التصميم القائم على الأدلة". ويُعد "التصميم القائم على الأدلة" مدرسة للتصميم التي تستند خلالها قرارات التصميم على البحث العلمي. حيث يدرس البحث ويحفز الروابط الإيجابية بين البيئة المحيطة بالمستشفى وصحة المريض.



Tree #3 لميونج هو لي (Myoung Ho Lee)، طباعة نفث الحبر، 2006 © Myoung Ho Lee، نشر مع شكر ليوسي ميلو جاليري
(Yossi Milo Gallery)، نيويورك



إعادة دمج القوة الشفائية للحدائق
نحن نعرف أن النظر إلى الطبيعة يمكن أن يقلل بشكل كبير من التوتر في غضون أقل من خمس دقائق. ولذلك، تم تزويد عدد كبير من المستشفيات الهولندية بـ "مناطق خضراء". ولسوء الحظ، لا يمكننا التحدث هنا عن "الحدائق"، وغالبًا لا يكون الوصول إلى هذه المناطق الخضراء متاحًا حتى للمرضى والزوار وموظفي المستشفى.

ويوضح مستشفى Tergooi في مدينة هيلفرسوم كيف يمكن الاستفادة من الحدائق: فخلال فترة علاج مرضى السرطان، يمكن للمرضى الجلوس في جناح مُعد خصيصًا في حديقة المستشفى. ويحتوي هذا الجناح الخشبي على سقف زجاجي ويحفز الهيكل المفتوح على الاستمتاع بالطبيعة بكل تأثيراتها الإيجابية على رفاهية المريض.

فكِّر في مدى روعة دمج قطعة من "الجنة على الأرض" في جميع المستشفيات الحديثة! حديقة فارسية، بها نافورة تنساب مياهها بهدوء في المنتصف ومحاطة بأماكن للجلوس والاسترخاء. بيئة خضراء يمكنك من خلالها الاستمتاع بمنظر النباتات والزهور سواء بمفردك أو مع المقربين منك. إنها حقًا مكان مثير للأفكار السارة ويبعث مشاعر الشفاء.