القوة الشفائية للفن










Nuffar لسيبا صحابي (Siba Sahabi)، آلة تصدر أصوات وصور، التصوير الفوتوغرافي: عائشة زايبفيلد (Aisha Zeijpveld) تحتوي "آلة الزخرفة" الحركية على طبقة من الرمال. ويدور مؤشر، على غرار ساعة الحائط، بشكل مستمر وتخدش مفاتيحه المدمجة أخاديد في الرمال. يتصور العمل الفني تركيبة موسيقية مصاحبة.










كيف يخفف الأدب والموسيقى والفنون البصرية من المرض


بقلم سيبا صحابي (Siba Sahabi)





منذ البحث المشهور الذي قام به المهندس المعماري الأمريكي روجر أولريش (Roger S. Ulrich) في ثمانينيات القرن الماضي، عرفنا أن الفن يمكن أن يكون عاملًا مؤثرًا في علاج المريض والتسريع في شفائه. وقد لعب الفن دورًا في الرعاية الصحية لعدة قرون. وفي هذه المقالة سنلقي نظرة فاحصة على تأثير الفن والموسيقى والأدب في مجال الرعاية الصحية.


تحدي التنوع
تجتمع في المستشفى مجموعة متنوعة من الأشخاص: فمنهم الصغار والكبار والمرضى والأصحاء ومن يعانون من الألم ومن لا يعانون، ومنهم المثقفون والأميون، ومنهم أصحاب السمع ومنهم الصم، ومنهم المبصرون ومنهم المكفوفون ومنهم من يعانون من حالات ذهنية إيجابية وآخرون يعانون من حالات سلبية ولكل منهم خلفيات ثقافية وأخلاقية مختلفة. ومثل هذا التنوع يتضمن أيضًا تنوعًا في التفضيلات الشخصية لكيفية قضاء الوقت وممارسة أنشطة الانتظار. ولسوء الحظ، فليس هناك أسلوب عالمي لتلبية كل هذه الاحتياجات المختلفة. ولكن الجيد في الأمر هو أنه يتم استخدام أساليب مختلفة وملهمة لتحفيز وتشجيع أنواع مختلفة من الناس. الجميع يعرف مهرج العيادات، ولكن ماذا عن القوة الشفائية للفن والأدب والموسيقى؟ وكيف يمكن استخدام هذه التخصصات؟ وكيف يمكن للفنون المقدمة في المستشفى أن تكون ذاتية وتجريبية؟


المستشفى كمتحف فني بدوام جزئي
يتمتع الفن بتاريخ طويل في مجال الرعاية الصحية. وظلت مرافق الرعاية الصحية تحتضن الفنون وتعرضها لمدة ستة قرون كاملة. وخلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر، كان للفن وظيفة دينية: وهي التذكير بالحياة والموت. وفي القرنين السابع عشر والثامن عشر، اُستخدم الفن بالمؤسسات الصحية لجمع التبرعات. وفي نهاية المطاف أُضيفت المواضيع العلمانية إلى جانب الموضوعات الدينية، كالأعمال الفنية التي تصور العلاجات الطبية. وبعد ذلك، وتبع ذلك في القرن العشرين فترة تسبب خلالها التفكير الحداثي في تراجع الفن إلى الخلفية. وخلال هذه المرحلة، انصب التركيز بالكامل على الكفاءة: والتأثير الشفائي للأدوية وتقنيات التشغيل. وكان يُنظر إلى أي شخص مريض كآلة معطوبة. ولعلاج هذا المريض، لابد من دراسة "الجزء المعطوب" ثم "إصلاحه". فقط بعد الحرب العالمية الثانية بدأ الاهتمام تدريجيًا بالفن في المستشفيات مرة أخرى، وذلك بسبب اكتشاف تأثير الضغط العصبي وعواقبه السلبية على الصحة. وقد تطورت العلوم العصبية وعلم النفس لتتحول إلى علوم يتم تدارسها. ومنذ ذلك الحين، لم يعد يُنظر إلى المريض كـ"آلة"، بل أصبح يُنظر إلى سلامته الفسيولوجية والعقلية والاجتماعية ككل. ومنذ ذلك الحين فصاعدًا، أصبح الفن يُسهم مجددًا في شفاء المريض.

وفي هولندا، تم تطبيق قانون خاص خلال فترة الخمسينيات: فعند إنشاء المباني الحكومية، يتم إنفاق 1.5 بالمائة من إجمالي تكاليف البناء على الفن. ولهذا السبب نجحت المستشفيات خلال العقود القليلة الماضية في اقتناء مجموعات فنية كبيرة. واليوم صارت المستشفيات أشبه بالمتاحف. إذ يمتلك المركز الطبي الجامعي بأمستردام (AMC)6000 عملًا فنيًا تبلغ قيمتها عدة ملايين من اليوروهات. وتتألف المجموعة الفنية التي يقتنيها هذا المستشفى الجامعي من مجموعة من الأعمال الفنية الهولندية لفترة ما بعد الحرب، يمكن الوصول إليها دائمًا، وهي أكبر من تلك الموجودة في متحف ستيدليك في أمستردام.

والسؤال المتعلق بماهية الأعمال الفنية الجيدة، وما ينبغي أو لا ينبغي عرضه كان سؤالًا صعبًا. وتكشف الدراسات المختلفة التي أجرتها إيفون كليرووتر (Yvonne Clearwater) أن المرضى بشكل عام يفضلون صور المناظر الطبيعية. ولم يُبدوا نفس الإعجاب بالمناظر الحضرية أو الحيوانات أو المباني أو الأشخاص أو التكنولوجيا. والأفضل من هذا وذاك وجود مزيج من المناظر الطبيعة/التخيلية والصور التجريدية. ويرى المختصون أنه من الجيد تخصيص الأعمال الفنية لمجموعة معينة من المرضى (مثل الرعاية المسكنة للآلام).

ويمكن للانشغال بالأعمال الفنية أن يسرِّع مرور الوقت أو يجعل المرء ينساه. فالفن يبعث في نفس المرضى نوع من التقدير والمواساة والإلهام. ويصرف انتباههم عن القلق والألم، ويحفز خلق أفكار ومواضيع جديدة. ورغم أن الفن ليس دواءً بديلًا، إلا أنه يمكن أن يساهم بالتأكيد في تحقيق الشفاء.

في الوقت الحالي، ترعى المستشفيات الذكية أيضًا ما يُسمى ببرامج "الفنانين المقيمين"، حيث تتم دعوة الفنانين للمشاركة مؤقتًا في أماكن معيشية وإقامة ورش عمل داخل المستشفى. وهذا يتيح للفنانين الفرصة لإجراء بحوث و/أو تقديم أعمال جديدة و/أو إعداد العروض. وبهذه الطريقة، لا يتم الاهتمام بالنتيجة (العمل الفني) فحسب، ولكن يكون هناك اهتمام أيضًا بالعملية الإبداعية والاحتكاك بين الفنانين وجماهيرهم.



Nuffar لسيبا صحابي (Siba Sahabi)، آلة تصدر أصوات وصور، التصوير الفوتوغرافي: عائشة زايبفيلد (Aisha Zeijpveld)


العلاج الأدبي
كثيرًا ما تُستخدم مرافق الرعاية الصحية كأماكن لقراءة الأعمال الأدبية. وسنذكر فقط رواية مايكل أونداتجي (Michael Ondaatje) "المريض الإنجليزي" ورواية "أحدهم طار فوق عش الوقواق" للكاتب كين كيسي (Ken Kesey). ولكن ما الدور الذي تلعبه الأعمال الأدبية نفسها داخل المستشفيات؟

يدور هذا الجزء من المقالة حول مكتبة المستشفى، وينبغي عدم الخلط بينها وبين المكتبة الطبية الخاصة بالأطباء. والمجموعات المستهدفة لمكتبة المستشفى هم المرضى والعاملون بالمستشفى. وبصرف النظر عن المعلومات الطبية، ستجد هنا بشكل خاص أعمال خيالية: كالقصص التي ستنسيك الواقع وتجعلك تنغمس تمامًا في عالم الخيال. إضافة إلى أن الأدب يثري استخدامك للغة ويمنحك أفكارًا جديدة.

ويبدو أن استخدام الكتب لأغراض علاجية يعود في الأصل إلى أواخر العصور الوسطى. حيث تم إدخال الكتب في الرعاية الصحية بالتوازي مع الفن. وهذا ليس بالأمر الغريب تمامًا، لا سيما إذا نظرنا إلى المجتمع الأوروبي الذي كان يتغير بمرور الوقت. وتم تكريس المزيد من الاهتمام وتسخير الطاقة لعلاج المرضى من خلال تشييد المستشفيات وإقامة أماكن لرعاية المشرفين على الوفاة والمحتضرين (غالبًا ما ترتبط بالأديرة)، من جملة أشياء أخرى.

وفي أوروبا، خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وُصفت قراءة الروايات الخيالية كعلاج داخل مستشفيات الأمراض النفسية. وفي مطلع القرن التاسع عشر، ظهرت في أمريكا أول مكتبات المستشفيات وكانت مخصصة للمرضى النفسيين. وبعد مرور قرن من الزمان، أُنشئت أول مكتبات داخل المستشفيات العسكرية والمستشفيات العامة. وقد أسهمت الحرب العالمية الأولى في تسريع هذا التطور.

ومنذ ذلك الوقت، وضع عدد من اللجان الدولية الكبيرة العديد من المبادئ التوجيهية التي يجب على مكتبات المستشفيات الالتزام بها. وتتضمن هذه المبادئ التوجيهية الخيارات الموضوعية فيما يتعلق بمجموعات الكتب مثل الشمولية: حيث يجب أن تكون الكتب في متناول جمهور من مختلف الخلفيات الفكرية والأخلاقية والثقافية. ومن المنظور العملي، يجب أن يكون المريض الجالس على كرسي متحرك قادرًا على أخذ الكتب من الرف دون مساعدة.

ومنذ ظهور الكتب الإلكترونية على الساحة، تغيرت قيمة الكتب الورقية واختفت مكتبات المستشفيات تقريبًا. ولكن من الغريب في هذه الأيام رؤية خزائن الكتب المرتبة بصورة جيدة في الأماكن العامة. وهناك عدد لا يُحصى من المكتبات المعلقة خارج المنازل والتي يمكن من خلالها للمارة انتقاء كتاب مثير والحصول عليه مجانًا. ويُطلق على هذا النوع من المكتبات تبادل الكتب، رغم أن المفهوم الرئيسي هنا هو التخلي عن الكتب وليس تبادلها. ولكنك قد تتساءل، لماذا لا تتواجد خزائن تبادل كتب تتضمن كتبًا أدبية وكتبًا غير خيالية بلغات مختلفة في غرف الانتظار بالمستشفيات؟


استخدام الموسيقى لتخفيف الألم ولطرد الشياطين
رغم أن ذلك كان واضحًا منذ القدم، إلا أننا لم ندركه بصورة بديهية إلا منذ تواجد الجنس البشري: فيمكن للموسيقى أن تعزز من رفاهية الشخص سواء أكان مريضًا أو صحيحًا. وقد استخدم سكان أستراليا الأصليون آلة النفخ الأسترالية ديدجيريدو للمساعدة في علاج قرابة 40000 شخص. ومن المثير للاهتمام أن الأصوات المستخدمة في العلاج بالموسيقى في الوقت المعاصر تشبه إلى حد بعيد الأصوات الصادرة عن آلة ديدجيريدو.

ويمكن للموسيقى أن تؤثر في المريض بطرق مختلفة: جسديًا وعاطفيًا وعقليًا واجتماعيًا وروحانيًا وجماليًا. ويمكن للاستخدام الذكي للموسيقى أثناء العلاج الطبي أن يقلل من الألم والضغط النفسي ويحسن الحالة المزاجية. في الماضي، كان الناس يعتقدون أن الشياطين تتلبس بالمرضى وتسيطر عليهم. لذا، كانوا يحاولون استخدام الأصوات والإيقاعات والأغاني "السحرية" لطرد الشياطين وعلاج المرضى.

وفي العصور الكلاسيكية القديمة كان هناك اعتقاد بأن المرضى يعانون من حالة اضطراب وأن بإمكان الموسيقى أن تعيد إليهم الوئام والانسجام العقلي والروحي. فعلى سبيل المثال، كان أبقراط - "أبو الطب الغربي" - يعزف مقطوعات موسيقية للمرضى المصابين بأمراض عقلية. وهناك عادات زاخرة باستخدام الموسيقي لعلاج المرضى بالأصوات، خاصة في الشرق الأوسط.

ففي القرن التاسع، وصف العلماء العرب تأثير الموسيقى على الأشخاص وإمكانيات علاج جميع أنواع الأمراض باستخدام الموسيقى. وفي القرن العاشر عالج الطبيب العربي "علي بن العباس" آلام الأطفال الصغار بالموسيقى. وفي عام 1284، افتتح السلطان قلاوون مستشفى في القاهرة، وعمل بها الموسيقيون بجانب الأطباء والأخصائيين الاجتماعيين. وفي الليل، كانوا " يُطيِّبون خاطر" المرضى الذين لا يستطيعون النوم.

وفي عصر النهضة الأوروبية، كان هناك اهتمام كبير بالمشاعرٍ مثل الاكتئاب، وكذلك بالعلاقة بين مختلف الحالات العاطفية والموسيقى. وخلال الفترة الرومانسية التي تلت ذلك، كان هناك اهتمام كبير بالعلاقة بين الجسم والحالة العقلية للشخص والجهاز العصبي. وخلال هذه الفترة استمرت دراسة تأثير الموسيقى على المرضى. ومنذ القرن العشرين، تطور العلاج الموسيقي المعاصر، وهو شكل من أشكال العلاج النفسي غير اللفظي ليصبح نظامًا سلوكيًا يضم مدارس مختلفة برؤى مختلفة. ومع ذلك، تُستخدم الموسيقى أيضًا في الوقت الحالي لعلاج المرضى الذين يعانون من شكاوى جسدية وليس المشكلات النفسية فقط.

ويستخدم "الطب المُستنِد إلى البراهين" الأدلة العلمية لاتخاذ القرار بشأن أفضل طريقة لعلاج المريض. ويتضمن ذلك إجراء دراسات حول العلاقة بين الموسيقى والعملية العلاجية. وخير مثال على ذلك: قيام الباحثة جيني هول (Jenny Hole) بدراسة تأثير الموسيقى قبل وأثناء وبعد العملية العلاجية. وكشفت في دراستها أن تأثير الموسيقى يدفع المرضى إلى استشعار قدر أقل من القلق والألم ويزيد من رضاهم بشكل عام. وقد اكتشفت جيني أن جميع المقطوعات الموسيقية يمكن أن تكون مؤثرة طالما أنها من اختيار المريض. (وفي دراستها هذه، غالبًا ما كان المرضى يختارون الموسيقى الهادئة بدلًا من الثقيلة.) وحتى عند الوقوع تحت تأثير التخدير أثناء العملية، شعر المرضى الذين استمعوا إلى الموسيقى بألم أقل بعد العملية من أولئك الذين لم يتمكنوا من الاستماع إلى الموسيقى بعد إجراء العملية. لذا، إذا ذهبت إلى المستشفى لتلقي العلاج، فلا تنس أن تحمل معك مقطوعاتك الموسيقية المفضلة على هاتفك المحمول. وإن كنت محظوظًا حقًا، فسيتم عزف مقطوعات موسيقية داخل مستشفاك، بطريقة تشبه ما كان عليه الحال في مصر خلال القرن الثالث عشر. والمكان الوحيد للقيام بذلك هو جناح الأطفال في مستشفى جامعة ماستريخت. وتُعزف هذه المقطوعات الموسيقية في النهار وليس في الليل.










سيبا صحابي (Siba Sahabi) هي فنانة ألمانية إيرانية تتعامل مع قضايا متعددة التخصصات والثقافات. وبجانب قيامها بمشروعات بحثية، فإنها تقوم أيضًا بإنشاء إصدارات تصاميم محدودة وتركيبات فنية. وقد عُرِضت أعمالها في عدة أماكن، ومنها معرض سآتشي (Saatchi Gallery) في لندن ومتحف الحرف اليدوية ديركتورينهاوس (Direktorenhaus) في برلين ومتحف الفنون الجميلة (Museo Nacional de Bellas Artes) في بوينس آيرس.